حكم التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى
قال السمهودي : الاستغاثة والتشفـُّع بالنبي صلى الله عليه وسلم وبجاهه وبركته إلى ربه تعالى مِن فِعْلِ الأنبياء والمرسلين ، وسير السلف الصالحين ، واقعٌ في كل حال ،قبل خلقه صلى الله عليه وسلم وبعد خلقه ، في حياته الدنيوية ومدة البرزخ و عرَصات يوم القيامة
قبل حياته :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : ( لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي ، فقال الله : يا آدم وكيف عرفتَ محمداً ولم أخلقه ؟ 0 قال : يا رب لأنك لمّا خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك رفعتُ رأسي فرأيتُ على قوائم العرش مكتوباً لا إله إلا الله ، محمد رسول الله فعرفتُ أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك ، فقال الله تعالى : صدقتَ يا آدم إنه لأحب الخلق إليّ ، وإذ سألتني بحقه فقد غفرتُ لك ، ولولا محمد ما خلقتك ) 0[رواه جماعة منهم الحاكم والطبراني] 0
في حياته :
( عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أنّ رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادعُ الله أن يعافيني ، قال : إن شئتَ دعوتُ وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك ، قال : فادعُه ، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي لتقضى لي ، اللهم شفِّعه فيَّ ) 0 [رواه جماعة منهم النسائي والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة] 0
بعد وفاته :
( عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفَّان رضي الله عنه في حاجة له ، وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته ، فلقي ابنَ حنيف فشكا إليه ذلك ، فقال له ابنُ حنيف : ائتِ الميضأة ، فتوضَّـأْ ، ثم ائتِ المسجد ، فصلِّ ركعتين ، ثم قل : اللهم إنس أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي أن تقضي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، فانطلقَ الرجلُ فصنع ما قال ، ثم أتى بابَ عثمان ، فجاءه البوّاب حتى أخذ بيده ، فأُدخِل على عثمان رضي الله عنه ، فأجلسه معه على الطنفسة ، فقال : حاجتك ؟ فذكر له حاجته وقضاها له ، ثم قال له : ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت الساعة ، وقال : ما كانت لك من حاجة فاذكرها .......) 0[رواه البيهقي والطبراني] 0
قال السبكي : الاحتجاج من هذا الأثر بفهم عثمان ( ابن حنيف ) ومَن حضره الذين هم كانوا أعلم بالله ورسوله وبفعلهم 0
في عرَصات القيامة :
إنّ أحاديث الشفاعة بلغت مبلغ التواتر ، وكل ذلك فيه النصوص الصريحة التي تفيد بأن أهل الموقف إذا طال عليهم الوقوف واشتد الكرب استغاثوا في تفريج كربتهم بالأنبياء فيستغيثون بآدم ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى عليهم السلام فيحيلهم على سيد المرسلين ، حتى إذا استغاثوا به صلى الله عليه وسلم ، سارع إلى إغاثتهم وأسعف طلبهم وقال : أنا لها أنا لها ، ثم يخرُّ ساجداً ولا يزال كذلك حتى ينادي أنِ ارفع رأسك واشفعْ تُشفَّع ْ 0
أما التوسل إلى الله تعالى بالأولياء والصالحين فهو جائز عند أهل الحق ، بل هو مستحب ، إذ هو من أسباب إجابة الدعاء ، وليس فيه أدنى شبهة بشرك ، لأن الله تعالى هو المدعو وحده ولا شريك له في الخلق والتأثير 0 وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إنِّي أسألك بحق السائلين عليك ....) 0 [ابن ماجه وأبو نعيم والبيهقي وغيرهم ] 0
وقوله صلى الله عليه وسلم : في حديث أويس القرني : ( فإنِ استطعتَ أن يستغفر لك فافعل ) 0 [أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب مرفوعاً] 0
وقد استسقى سيدنا عمر بسيدنا العباس رضي الله عنهما وقال : ( ...،وإنما نتوسل بعمِّ نبيك فاسْقنا) 0[البخاري] فيُسقـَون 0
وقال الإمام الشافعي :
أحب الصالحين ولستُ منهم
لعلِّي أن أنال بهم شفاعـة
أحب الصالحين ولستُ منهم=لعلِّي أن أنال بهم شفاعة
فأجابه أحدهم :
تحب الصالحين وأنت منهم
لعلِّي أن أنال بكم شفاعـة
تحب الصالحين وأنت منهم=لعلِّي أن أنال بكم شفاعة
وقال ابن عابدين : إن الله تعالى جعل لرسله وأنبيائه وأوليائه حقاً من فضله ، ويراد بالحق ،الحرمة والعَظَمة ، فيكون من باب الوسيلة ، وقد قال تعالى:{ وابتغوا إليه والوسيلة }] المائدة : 35[